سورة يس - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ} بساتين، {مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا} في الأرض، {مِنَ الْعُيُونِ}.
{لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} أي: من الثمر الحاصل بالماء {وَمَا عَمِلَتْه} قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر: {عملت} بغير هاء، وقرأ الآخرون {عملته} بالهاء أي: يأكلون من الذي عملته {أَيْدِيهِم} الزرع والغرس فالهاء عائدة إلى {ما} التي بمعنى الذي. وقيل: {ما} للنفي في قوله: {ما عملته} أي: وجدوها معمولة ولم تعملها أيديهم ولا صنع لهم فيها وهذا معنى قول الضحاك ومقاتل.
وقيل: أراد العيون والأنهار التي لم تعملها يد خلق مثل دجلة والفرات والنيل ونحوها.
{أَفَلا يَشْكُرُونَ} نعمة الله.
{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا} أي: الأصناف {مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ} الثمار والحبوب {وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ} يعني: الذكور والإناث {وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} مما خلق من الأشياء من دواب البر والبحر.
{وَآيَةٌ لَهُمُ} تدل على قدرتنا، {اللَّيْلُ نَسْلَخُ} ننزع ونكشط {مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} داخلون في الظلمة، ومعناه: نذهب النهار ونجيء بالليل، وذلك أن الأصل هي الظلمة والنهار داخل عليها ُ فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليلُ فتظهر الظلمة.
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} أي: إلى مستقر لها، أي: إلى انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وقيام الساعة.
وقيل: إنها تسير حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها، ثم ترجع فذلك مستقرها لأنها لا تجاوزه.
وقيل: مستقرها نهاية ارتفاعها في السماء في الصيف ونهاية هبوطها في الشتاء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مستقرها تحت العرش».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، حدثتا الحميدي، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} قال: «مستقرها تحت العرش».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا الحميدي، أخبرنا وكيع، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: «أتدري أين تذهب»؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}».
وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس: {والشمس تجري لا مستقر لها} وهي قراءة ابن مسعود أي: لا قرار لها ولا وقوف فهي جارية أبدا {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.


{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} أي: قدرنا له منازل قرأ ابن كثير ونافع، وأهل البصرة: {القمر} برفع الراء لقوله: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} وقرأ الآخرون بالنصب لقوله: {قدرناه} أي: قدرنا القمر {مَنَازِل} وقد ذكرنا أسامي المنازل في سورة يونس فإذا صار القمر إلى آخر المنازل دق فذلك قوله: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} والعرجون: عود العذق الذي عليه الشماريخ، فإذا قدم وعتق يبس وتقوس واصفر فشبه القمر في دقته وصفرته في آخر المنازل به. {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} أي: لا يدخل النهار على الليل قبل انقضائه، ولا يدخل الليل على النهار قبل انقضائه، وهو قوله تعالى: {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} أي: هما يتعاقبان بحساب معلوم لا يجيء أحدهما قبل وقته.
وقيل: لا يدخل أحدهما في سلطان الآخر، لا تطلع الشمس بالليل ولا يطلع القمر بالنهار وله ضوء، فإذا اجتمعا وأدرك كل واحد منهما صاحبه قامت القيامة.
وقيل: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} أي: لا تجتمع معه في فلك واحد، {ولا الليل سابق النهار} أي: لا يتصل ليل بليل لا يكون بينهما نهار فاصل.
{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يجرون.


{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} قرأ أهل المدينة والشام، ويعقوب: {ذرياتهم} جمع وقرأ الآخرون: {ذريتهم} على التوحيد، فمن جمع كسر التاء، ومن لم يجمع نصبها، والمراد بالذرية: الآباء والأجداد، واسم الذرية يقع على الآباء كما يقع على الأولاد {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} أي: المملوء، وأراد سفينة نوح عليه السلام، وهؤلاء من نسل من حمل مع نوح، وكانوا في أصلابهم. {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} قيل: أراد به السفن الصغار التي عملت بعد سفينة نوح على هيئتها.
وقيل: أراد به السفن التي تجري في الأنهار فهي في الأنهار كالفلك الكبار في البحار، وهذا قول قتادة، والضحاك وغيرهما.
وروي عن ابن عباس أنه قال: {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} يعني: الإبل، فالإبل في البر كالسفن في البحر. {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ} أي: لا مغيث {لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ} ينجون من الغرق. وقال ابن عباس: ولا أحد ينقذهم من عذابي. {إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} إلى انقضاء آجالهم يعني إلا أن يرحمهم ويمتعهم إلى آجالهم.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} قال ابن عباس: {ما بين أيديكم} يعني الآخرة، فاعملوا لها، {وما خلفكم} يعني الدنيا، فاحذروها، ولا تغتروا بها.
وقيل: {ما بين أيديكم} وقائع الله فيمن كان قبلكم من الأمم، {وما خلفكم} عذاب الآخرة، وهو قول قتادة ومقاتل.
{لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} والجواب محذوف تقديره: إذا قيل لهم هذا أعرضوا عنه دليله ما بعده:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8